كلمة المستشار الخاص كريستيان ريتشر في ندوة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول دور فريق يونيتاد في تعزيز المساءلة حول جرائم تنظيم داعش الدولية في العراق

http://telecoms.com/wp-content/blogs.dir/1/files/2012/10/UNlogo.jpg

دور فريق التحقيق (يونيتاد) في تعزيز المُساءلة عن الجرائم الدولية المُرتكبة من جانب تنظيم داعش

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

بغداد، 04 أيار/مايو 2023

 

كلمة

السيد كريستيان ريتشر

 

المُستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم داعش (يونيتاد)

 

 

معالي وزير التعليم العالي في العراق، السيد نعيم العبودي

الأساتذة والباحثين الموقّرين

الضيوف الكرام والسيدات والسادة

 

إنّه لمن دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم لتلبية الدّعوة الكريمة لوزارة التعليم العالي، وأعرب عن امتناني العميق لهذه الدّعوة.

ويُشرفني أن أتحدث إليكم اليوم عن عمل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد).

خلال كلمتي اليوم، أودّ أن أتطرق إلى ثلاثة مجالات رئيسية: الأولى هي تقديم لمحة عامّة عن الفريق وتحقيقاته، ثمّ سأشرح كيفية تنفيذ عملنا من خلال التعاون الوثيق مع العراق، وأخيراً أن نُفكر سوياً فيما يُحدد نجاح مهمتنا وولايتها. وأتطلّعُ بعد ذلك إلى الاستماع إلى أسئلتكم وأفكاركم وملاحظاتكم القيّمة.

 

لمحة عامة عن فريق التحقيق (يونيتاد) وتحقيقاته

 

تأسس فريق التحقيق (يونيتاد) بناءً على طلب من العراق، وذلك من خلال القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2379 (2017) الذي تمّ اعتماده بالإجماع، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى دعم الجهود المحليّة في العراق لمحاسبة مرتكبي الجرائم الدّولية مِن تنظيم داعش، وهي الأفعال التي شكلت جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية أوجرائم إبادة جماعية.

منذ نشأته في العراق عام 2018، أسس فريق التحقيق (يونيتاد) مقرّه الرئيسي هنا في بغداد، ثم قام بفتح مكاتب فرعية إضافية في أربيل ودهوك، بهدف التحقيق في جرائم تنظيم داعش المُرتكبة ضدّ جميع المجتمعات المحليّة المُتضررة، باستخدام ما نسميه نهج التحقيق من القاعدة إلى قمة الهرم، مُركّزاً على ضحايا جرائم تنظيم داعش وعلى روايات الشهود. ومن خلال هذه التحقيقات الرئيسية، يضمّ الفريق ست وحدات تحقيق ميدانية، تُغطّي الجرائم المُرتكبة ضدّ المجتمع الأيزيدي وضدّ المجتمع المسيحي وأيضاً ضدّ المجتمع الشيعي، بما في ذلك الجرائم التي استهدفت منتسبي أكاديمية تكريت الجويّة وسجن بادوش الواقع بالقرب من الموصل، والجرائم المُرتكبة ضدّ المجتمع السنّي في الأنبار، والجرائم المُرتكبة ضدّ "الأقليات الأصغر" من الشبك والكاكائيين والشيعة التركمان وغيرهم.

بالإضافة إلى ذلك، وبهدف التحقيق أيضاً في التدرّج الهرمي وهيكل تنظيم داعش كمنظمة، أو ما يسمى بنهج التحقيق من قمة الهرم وصولا للقاعدة، أنشأ فريق التحقيق (يونيتاد) وحدة مخصصة ترُكّز على الشؤون المالية للدّولة الإسلامية واقتصادها. وتنظر وحدة الجرائم الاقتصادية هذه في تمويل جرائم تنظيم داعش الدولية المُرتكبة في العراق والاستفادة منها. ولهذه المسألة أهمية خاصّة كوننا نعلم جميعاً أن تتبع الأموال يعني تتبع المنظمة، والهيكل، والتسلسل الهرمي، والقادة، وأولئك الذين أعطوا الأوامر، وبالتالي يضعنا على طريق تحديد أولئك الأكثر مسؤولية عن مجموعة الجرائم الدولية البشعة التي ارتُكبت في العراق. ومِن شأن ذلك أن يساعدنا على تكوين صورة تحدد المسؤولية الفردية لقادة تنظيم داعش عن تلك الجرائم الدّولية.

ومن المهم أن نشدد دائماً على أن ولاية فريق التحقيق معنية بالجرائم الدّولية وليس الإرهاب. وكما لا يخفى عليكم، فإنّ هذا التمييز أساسي من حيث التبعات القانونية، فضلاً عما يتبع ذلك بخصوص مشاركة الضحايا وحقوقهم. فإنّ العضوية في منظمة ما، حتّى لو كانت إرهابية، هي ذات طبيعة عشوائية ولا تولي اهتماماً للضحية. بينما التحقيق في الجرائم الدّولية يعني الوقوف على الهجمات الحقيقية والمعاملة القاسية للضحايا، ويعني أيضاً النظر في نيّة الجناة وتأثيرهم على المجتمعات المتضررة، وهذا يشكل جوهر العدالة التي يسعى الضحايا إلى تحقيقها.

بالإضافة إلى ذلك، أنشأنا نحن الفريق أيضاً وحدة متخصصة للتحقيق في الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي والجرائم بحقّ الأطفال، وهي وحدة عامِلة شاملة تعمل مع بقية وحدات التحقيق التابعة للفريق لتسليط الضوء على الجرائم الدّولية التي ارتكبها تنظيم داعش من منظور النوع الاجتماعي، والتي شملت الجرائم التي استهدفت بشكلٍ خاص النساء والفتيات، وكذلك الأولاد الصغار، الذين تمّ تجنيدهم قسراً كجنود أطفال على سبيل المثال.

          علاوةً على ذلك، منذ أن توليت مسؤولياتي بصفتي رئيس فريق التحقيق، عملت على تكثيف التحقيقات في ثلاثة مسارات رئيسية أرى أنها أولوية للوقوف على الصورة الكاملة لجرائم داعش في العراق، وهي:

  • الجرائم المُرتكبة في الموصل، بما في ذلك الجرائم المُرتكبة ضدّ هياكل الدولة وموظفيها؛
  • قيام تنظيم داعش بتطوير ونشر أسلحة كيميائية وبيولوجية؛
  • تدمير تنظيم داعش للتراث الثقافي، الذي استهدف التاريخ الثقافي المتنوع للعراق بأكمله.

 

ويشكّل اتباع نهج يعتمد مركزية الضحايا أحد جوانب عملنا الأساسية، بما يضع سلامة ورفاه الضحايا والناجين في المقام الأول. ولهذا الغرض، أنشأنا وحدة متخصصة لحماية ودعم الشهود، والتي تلعب دوراً رائداً في حماية الشهود الذين يدلون بافاداتهم لفريق التحقيق. وتلعب هذه الوحدة أيضاً دوراً رئيسياً في تعزيز قدرات النظراء المحليين ضمن الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني، وذلك بهدف تعزيز هذا النهج وتجنب إعادة تعريض الناجين والناجيات للصدمات النفسية، بالاضافة الى تدريب مُقدمي الخدمات المحليين في مجال الدّعم النفسي والاجتماعي.

فايجازا يمكن القول أننا نعمل كفريقٍ لديه ولاية محددة جدّاً على التحقيق في جرائم تنظيم داعش المُرتكبة ضدّ جميع المجتمعات في العراق، بالشراكة مع تلك المجتمعات، وبتأمين نهجٍ يعتمد مركزية الضحايا. وعلاوةً على ذلك، سيعمل الفريق بشكلٍ متزايد على الانتقال من اجراء التحقيقات إلى بناء القضايا، بما يخدم  محاسبة  أعضاء تنظيم داعش الأفراد الذين ارتكبوا تلك الجرائم.

وأودّ أن أختتم  اللمحة العامة هنا، وأنتقل للتحدث قليلاً عن شراكتنا مع العراق.

 

ولاية فريق التحقيق (يونيتاد) الفريدة بالشراكة مع العراق

يتمتع فريق التحقيق (يونيتاد) بوصفه كياناً تحقيقياً، بولاية فريدة من نوعها؛ ومن خلال تطبيق مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم الدّولية، حيث تأسس الفريق بناءً على طلب من الحكومة العراقية، ويعملُ عن كثب بشكل يومي مع الجهات العراقية المعنيّة، وخاصّة السلطة القضائية، لدعم الهدف المشترك المُتمثّل في محاسبة أعضاء تنظيم داعش على الجرائم الدّولية ضمن محاكمات عادلة ومبنية على الأدلة وفقاً للمعايير الدّولية. وتخدم هذه الشراكة الفريدة عمل الفريق بشكل ملحوظ، وترفد العراق بمختلف الفرص أيضاً.  

وكما ذكرت في مناسباتٍ عدّة منذ أن بدأت عملي هنا، ينبغي الإشادة بالعراق على دوره الرائد في طلب إنشاء فريق التحقيق (يونيتاد)، وعلى تعاونه المستمر مع عمل الفريق. فإنّ هذا الدور حاسم في تعزيز المساءلة عالمياً عن جرائم تنظيم داعش الدّولية، والأهم من ذلك في تحقيق العدالة للضحايا والناجين، وغالبيتهم من هذا البلد. من وجهة نظري، يُمثّل فريق التحقيق (يونيتاد) فرصة للعراق للقيام بدور قيادي في هذا الصدد، وإظهار التزامه بسيادة القانون للعالم.  

ويبقى العراق الحليف والشريك الرئيسي لفريق التحقيق (يونيتاد(، والمتلقّي الرئيسي المعني بعملنا وفقاً لولاية الفريق، إذ أنّ هدف فريق التحقيق (يونيتاد) يتمثّل في دعم العراق في تحقيق العدالة للجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش. فما نريد رؤيته هو أن يلعب العراق دوره القيادي الطبيعي في تحقيق المساءلة عن جرائم تنظيم داعش الدولية، وفقاً للمعايير الدّولية وبما يتفق مع سياسات الأمم المتحدة والممارسات الفُضلى.

           وبما أنّ القضاء العراقي هو الشريك الطبيعي لفريق التحقيق (يونيتاد)، فإنّ الفريق ينخرط في العمل مع قضاة التحقيق المُختصين، استناداً إلى الرغبة المتبادلة في التعاون ومواءمة أولويات التحقيق، نحو الهدف المشترك المتمثّل في محاكمة أعضاء تنظيم داعش على جرائمهم الدّولية، بما في ذلك في القضايا التي تشمل مرتكبي الجرائم من تنظيم داعش الموجودين أو المقيمين في الخارج، وخاصة في أوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك، يقوم فريق التحقيق (يونيتاد) أيضا بدعم تعزيز قدرات القضاء العراقي وتعميق المعرفة بالقانون الإنساني الدّولي والقانون الجنائي الدّولي داخل القضاء العراقي، حيثُ نسعى إلى أن يكون القضاة والمحاكم على أهبة الاستعداد لمحاكمة أعضاء تنظيم داعش بتهمة ارتكاب جرائم دولية. في هذا الاطار، نظّم الفريق في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بالشراكة مع الأكاديمية الدولية لمبادئ نورمبرغ، دورة تدريبية مُتقدمة لمدة أسبوع حول القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي لـتسعة عشر عضواً مِن القضاء العراقي في نورمبرغ، ألمانيا. هدفت "الدورة التدريبية حول القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي" إلى تعزيز المهارات العملية للتحقيق والادّعاء للقضاة المشاركين، والذين أتوا من مختلف أنحاء العراق، حيثُ صُمِمَت تلك الدورة التدريبية بما يلبي احتياجات القضاة الذين يعملون على الجرائم الدولية لتنظيم داعش في العراق، وكان هدفها تعزيز المعرفة المتعمقة اللازمة لمحاكمة مثل هذه الجرائم في العراق في المستقبل. اشتمل مدربوا هذه الدورة على طيف واسع من الأكاديميين الدّوليين المرموقين والخبراء القانونيين الذين أثرَوْا الدورة بخبرتهم ومعرفتهم. وقد مكّن هذا التدريب المتقدّم القضاة من دراسة وتحليل القضايا ذات الصلة من المحاكم الدّولية وكذلك القضايا الوطنية من البلدان التي تعتمد الولاية القضائية العالمية في ملاحقة الجرائم الدّولية. وتُعد هذه المعرفة جانب أساسي للقضاة العراقيين للمضيّ في الإجراءات أمام المحاكم العراقية، والعمل على إدارة تلك الإجراءات بأعلى مستوى من الاحتراف، وبما يتفق مع المعايير الدّولية والإجراءات القانونية الواجبة.

بالإضافة إلى ذلك، جانب آخر من العمل الذي يدعمه فريقنا يتعلق بأعمال التنقيب في المقابر الجماعية. إذ يعمل خبراء فريق التحقيق (يونيتاد) بشكلٍ وثيق مع الشركاء المحليين في دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية ودائرة الطب العدلي، لدعم أعمال التنقيب في المقابر الجماعية المتعلقة بجرائم تنظيم داعش، والتعّرف على الرفات المُستخرجة، مما يسمح أيضاً بدفن الضحايا الذين تم التعّرف عليهم بما يليق بهم من تكريم. ومِن المؤكد أنّ هذا العمل يُغذّي أدلّة الطب الشرعي اللازمة للتحقيق في جرائم التنظيم، وربما الأمر الأهمّ من ذلك أنه يساهم في تقديم بارقة من السلوى لأسر الضحايا الذين ينتظرون بفارغ الصبر كي يمنحوا أحبائهم الاحترام الذي يستحقونه.

لذا، لاختتم هذا الجزء، إسمحوا لي أن أُلّخّص بالقول إن فريق التحقيق (يونيتاد) يعمل في العراق، بناءً على طلب الحكومة العراقية وبالشراكة مع النظراء العراقيين. نحن نعمل على بناء القدرات الوطنية في المجالات المرتبطة بولاية فريقنا، ونحو تحقيق العدالة للضحايا ودعم تعافي المجتمعات في العراق.

ما الذي يُعدّ "نجاحاً" لعمل فريق التحقيق (يونيتاد)؟

كما كررتُ في مناسبات عديدة خلال الأشهر الـثمانية عشر الماضية، أنا مُدّعٍ عام ولستُ مؤرخاً. فالطريقة التي أرى بها الغرض من عمل فريق التحقيق (يونيتاد) هنا ليس ببساطة إنشاء سجل لجرائم تنظيم داعش، ولكن الغرض هو محاسبة أفراد التنظيم، أولئك الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم الدّولية الشنيعة، من خلال المحاكمات القائمة على الأدلة أمام المحاكم المختصة.

ولكن ما الذي نحن بحاجة إليه لتحقيق ذلك؟

أعتقد أننا بحاجة إلى ثلاثة روافد رئيسية؛ وهي المحاكم المُختصة، وأدلّة مقبولة وموثوق بها، وإطار قانوني مناسب.

أولاً، المحاكم المختصة، والتي أعتبرها الأمر السهل، فكما وضّحتُ سابقاً، نحن نعمل عن كثب مع قضاة التحقيق المختصين في العراق، الذين يدعمون تحقيقاتنا، والذين من جانبنا نسهم في بناء قدراتهم، بما يعزز استعداد المحاكم العراقية لمحاسبة الجناة من تنظيم داعش على الجرائم الدّولية.

ثانياً، أدلّة مقبولة وموثوقة؛ هناك الكثير من المناقشات حول "الأدلّة" على جرائم تنظيم داعش، ويُمكنني أن أؤكّد لكم أنه لا يوجد نقص في الأدلّة على جرائم داعش في العراق، حيثُ اتبع تنظيم داعش بيروقراطية واسعة النطاق ونظام إداري وتوثيقي شبيه بالدولة. لكن التحدي الأكبر يتمثل في ماذا نفعل بمثل تلك الأدلة؟ كيف يمكن التعامل مع الحجم الهائل من الوثائق والكمية الهائلة من المعلومات؟ والأهمّ من ذلك، كيف يمكن الحفاظ على تسلسل حيازة هذه الأدلّة؟

فإن ما نسعى إلى تحقيقه هو ضمان مقبولية مثل هذه الأدلّة أمام أيَ محكمة مختصة، سواء في العراق أو في الدّول الأخرى التي يمكن أن تجري فيها محاكمات أفراد تنظيم داعش على جرائم دولية. وفي هذا السياق، قمنا بدعم رقمنة ملايين الوثائق في محاكم مختلفة في العراق، لضمان حفظها واستخدامها بالشكل الصحيح.

ويتمثل الرافد الثالث والأهمّ والأكثر تحدياً في وجود الإطار القانوني المناسب. ويمكن اعتبار ذلك التحدي الرئيسي الذي يجب التغّلب عليه حتى يحقق عمل فريق التحقيق (يونيتاد) النتائج المرجوّة في العراق. وإن فريق التحقيق (يونيتاد) مُلتزم بدعم العملية التي يقودها العراق لإنفاذ إطار قانوني محلي يسمح بملاحقة الأعمال الإجرامية لتنظيم داعش باعتبارها جرائم دولية، أي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، أمام المحاكم الوطنية. وتُشكّل مشاركة فريق التحقيق في إطلاق مجموعة عمل مشتركة في شهر آذار/مارس 2023، إلى جانب مكتب رئيس الوزراء، واللجنة الوطنية الدائمة للقانون الدّولي الإنساني، ومجلس الدولة العراقي، وكبار أعضاء القضاء، تطورا هاماً في هذا الصدد. هذا ويتطلع فريق التحقيق (يونيتاد) إلى عقد اجتماعات منتظمة لمجموعة العمل، ويقف الفريق مستعدا لتقديم الدعم التقني بما يخدم هذه العملية بكل استطاعته، بما في ذلك توفير الخبرة الدّولية ومشاركة الممارسات الفضلى.

وبالتوازي مع ذلك، وكجزءٍ من ولاية فريق التحقيق (يونيتاد)، يواصل الفريق بذل كل الجهود لضمان المساءلة الجنائية لأفراد تنظيم داعش أينما يمكن مُحاسبتهم، بما يقطع الطريق أمام محاولات الجناة الهروب من الملاحقة القضائية. منطلقا من هذه الرؤية التي تعمل على إغلاق الملاذات الآمنة أمام عناصر داعش، يدعم فريق التحقيق (يونيتاد) وفقاً لاختصاصاته الملاحقات القضائية، من خلال التعاون مع السلطات القضائية في دول ثالثة لديها الولاية القضائية للتحقيق في الجرائم الدولية التي يرتكبها أفراد تنظيم داعش. ويُشّكل هذا الدعم القضائي في القضايا ذات الصلة جُزءَا هاماً من عمل فريق التحقيق، كما هو الحال في الدول الأعضاء ذات الولاية القضائية العالمية أو غيرها من أشكال الولاية القضائية العابرة لحدود الإقليم بالنسبة للجرائم الدولية، أو الدول التي يتواجد فيها مقاتلو التنظيم السابقون وكذلك الضحايا والناجون. ولا بدّ لي من القول إن الطلب آخذٌ في الازدياد على عملنا المتعلق بهذا الشأن. ومن المتوقع أن يستمر في الازدياد، حيث أن تنظيم داعش ظاهرة دولية، بما في ذلك المقاتلين الأجانب الذين كانوا ضمن صفوف التنظيم، أو المواطنين العراقيين الذين انتقلوا إلى الخارج. وفي نهاية المطاف، سيكون مسعى دعم الملاحقات القضائية في دول ثالثة أداةً مهمةً لضمان أنْ تمتد مكافحة الإفلات من العقاب بالنسبة لتنظيم داعش لأكبر مدى ممكن في جميع أنحاء العالم. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا المسعى هو ما أدى لتحقيق إدانة تاريخية في فرانكفورت بحق (طه ج.)، المواطن العراقي الذي أُدين بارتكاب إبادة جماعية ضد الأيزيديين في العراق وحُكِمَ عليه بالسجن مدى الحياة.

إسمحوا لي أن أختتم كلمتي بمشاركة إحدى الرؤى التي لا تستند فقط إلى دوري الحالي مع فريق التحقيق (يونيتاد)، ولكن أيضاً إلى عملي السابق كمُدّعٍ عام اتحادي في محكمة العدل الاتحادية في ألمانيا حين كنتُ رئيساً لوحدة جرائم الحرب الألمانية أس فور(S4). قد تكون العدالة بشكلٍ عام عملية بطيئة وطويلة. وفي كثيرٍ من الأحيان، يمكن للمرء أن ينفد صبره وهو يتطلع  لرؤية النتائج، لكنّ التحقيقات والملاحقات القضائية وبناء القضايا القائمة على الأدلّة هي عملية تستغرق وقتاً وصبراً ومثابرة، لا سيما في قضايا الجرائم الدّولية.

ولكن، في ذات الوقت، من المهمّ أن نتذكر ان الجرائم الدولية لا تسقط بالتقادم، فقد رأينا مرتكبي مثل هذه الجرائم يُحاكمُون حتى بعد مرور عشرات السنين على ارتكاب جرائمهم. وهذا هو الحال أيضاً في ألمانيا، حيث لا يزال أعضاء النظام النازي تحت طائلة الحساب لغاية يومنا هذا، وبعضهم يبلغ من العمر 100 عام تقريباً، وهو الحال في أجزاء كثيرة من العالم أيضاً.

الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ليست استثناءً من تلك القاعدة. ففي الواقع، تُشّكل جرائم التنظيم في العراق بعضاً من أبشع الأعمال التي شهدناها في التاريخ الحديث، ويجب تحديد هوية الأفراد المسؤولين عن هذه الأفعال ومُحاكمتهم وإدانتهم في نهاية المطاف على جرائمهم. ولن نتمكن من تحقيق العدالة للعديد من الضحايا والناجين وضمان سماع أصواتهم إلا من خلال مقاضاة تلك الأعمال الهمجية بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة الجماعية. ومن أجل  الإسهام في عمليات المصالحة الأوسع نطاقاً في العراق، لا يسعنا إلا الاستمرار في العمل محايدين وبشكل يشمل جميع المجتمعات المتضررة. وما يمكنني أن أَعِدْ به هو أن فريق التحقيق (يونيتاد) سيواصل عمله على هذا الطريق نحو تحقيق المساءلة، فإن التزام فريق التحقيق بهذا العمل هو التزام ندين به للناجين وللعدالة الدولية وللإنسانية جمعاء.

أشكركم ، وأتطلع إلى النقاش معكم.