كلمة المستشار الخاص كريستيان ريتشر-مراسم إعادة الرفات الثالثة– سنجار
مراسم إعادة الرفات – سنجار
كلمة السيد كريستيان ريتشر
المُستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأُمم المُتّحدة لتعزيز المُساءلة عن الجرائم المُرتكبة من جانب تنظيم الدّولة الإسلامية في العراق والشام/داعش (يونيتاد)
24 كانون الثاني/يناير 2024
سعادة السيدة شاناز ابراهيم أحمد، السيّدة الاولى للعراق،
أصحاب السعادة والمعالي ممثلي حكومة العراق وحكومة اقليم كردستان،
عائلات الضحايا المُحترمين؛ أبناء المجتمع الأيزيدي؛
السيدات والسادة،
يُشرّفني أن أقف بينكم اليوم لتكريم الضّحايا الذين سقطوا نتيجة لفكر متطرف وشرس لم يستثنِ أحداً.
دعوني أولاً وقبل كل شيء أن أتقدّم بخالص التعازي على هذه الخسارة الفادحة، وأعرب عن أسمى درجات احترامي لصبركم وصمودكم في مواجهة واحدة من أعظم الفظائع في التاريخ الحديث: تلك الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضدّ المجتمع الأيزيدي، والتي أثبت فريق التحقيق (يونيتاد) قانونياً كونها إبادة جماعية، فضلاً عن إقرار العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم بكونها كذلك، ليس كمجرد اعتبار سياسي وإنّما استناداً إلى التحقيقات والوقائع التي أدت إلى صدور أحكام. فلا يمكن لأحدٍ أن يُنكِر هذه الوقائع.
بعد بضعة أسابيع من وصولي إلى العراق للمرّة الأولى، كنت أقف وسط تجمع مَهيب مماثل، حيثُ ودعّت العائلات الأيزيدية أحبائها في مراسم سابقة عقب تحديد هويات الضّحايا وعودة رفاتهم. ولقد كانت تلك إحدى اللحظات التي تركت أثراً عميقاً عليَّ شخصياً، وعلى التزامنا الراسخ بالسعي إلى تحقيق العدالة وتعزيز العمل الدؤوب الذي يقوم بهِ فريق التحقيق (يونيتاد).
إنّ التواجد هنا اليوم وإتاحة هذه الفرصة لتقديم قدر من السلوى للأسر الثكلى، هو ثمرة الجهود التعاونية للسلطات الوطنية المُختصَّة، ويدل على ما يمكن أن يحققه العمل المشترك بين العراق والأمم المتحدة، كما يشهد على المثابرة البارزة والتصميم القويّ للمجتمع الأيزيدي نحو تحقيق العدالة والمساءلة؛ حيث نتذكر جيداً كلّ ما عاناه هذا المجتمع وتغلّب عليه لضمان أن يرى الضحايا يومهم المشهود في المحكمة.
وخلال الاستعداد لمراسم اليوم، كان لفريق التحقيق (يونيتاد) الشرف في العمل بشكلٍ وثيق مع السلطات العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، فضلاً عن مجتمعات الضحايا والناجين. وعلى وجه الخصوص، كانت شراكتنا مع دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية ودائرة الطب العدلي حيوية من أجل أن نكون هنا اليوم. لا يمكنني التأكيد بشكلٍ كاف على أهمية هذا العمل، وإنني أشيد بقيادة دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية ودائرة الطب العدلي وعملهما الدؤوب في ظروف صعبة، حيثُ تتواصل أعمال التنقيب في المقابر الجماعية ويستمر العمل على تحديد هويات الضحايا. نحن ملتزمون ببذل كل جهدٍ مُمكن لدعمهم، سواء من خلال توفير أحدث المعدات أو بناء قدرات الخبراء الوطنيين من خلال برامج تدريبية متنوعة، فضلاً عما نقدمه من دّعم فنّي في المواقع.
السيدات والسادة،
أودّ أن أؤكّد، بهذه المناسبة، على أنّ دعم أعمال التنقيب عن المقابر الجماعية هو مسعى جوهري لعمل فريق التحقيق (يونيتاد)، وسعينا المُشترك لتحقيق المساءلة والعدالة، حيثُ توفّر هذه العمليات الفرصة لتحديد مصير الآلاف من الضحايا، كما تضيف إلى محفوظات أدلة الطبّ العدليّ حول جرائم تنظيم داعش. تتم معالجة هذه الأدلة الحيوية وحِفظها وتحليلها ضِمن محفوظات السلطات العراقية من خلال دعم الفريق للرقمنة ومعدّات الطبّ العدلي وبناء القدرات المقدّمة للنظراء المحليين.
يهدف عملنا بالشراكة مع السلطات الوطنية إلى دعم العراق وهو في طليعة تلك الجهود، بينما يؤدّي دورهُ الريادي الطبيعي في تعزيز المساءلة والملاحقات القضائية القائمة على الأدلة للجرائم الدّولية التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق. ولتحقيق هذه الغاية، نواصل تعاوننا الوثيق مع الحكومة العراقية، ولا سيما القضاء العراقي، لضمان رقمنة جميع الأدلة بشكلٍ صحيح وتنظيمها ومشاركتها مع السلطات المُختصَّة بما يتيح الاستخدام الأمثل، وبما يتماشى واختصاصات الفريق، الأمر الذي يخدم هدفنا المشترك المُتمثل في أن نشهد تلك المُحاكمات تجري في العراق، وأن يرى الضحايا العدالة التي ينتظرونها. هذا وسنواصل العمل مع جميع النظراء المعنيين نحو تحقيق هذا الهدف.
أودّ أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر التزام فريق التحقيق (يونيتاد) بالعمل جنباً إلى جنب مع العراق، المُتلقي الرئيسي لجهود عمل الفريق.
وفي هذا الصدد، أودُ أن أنوّه إلى بِدءِ مشاركتنا لسلسلة من التقارير الهامة مع السلطة القضائية العراقية والتي تؤسس التوصيف القانوني لجرائم تنظيم داعش في العراق. يُعد هذا الأساس القانوني أمراً بالغ الأهمية لتطوير ملفات قضايا مُحددة، لضمان العمل نحو إجراءات مساءلة تستند على تحليل قانوني دقيق لبناء قضايا مقنعة، بشكل يضمن الاستفادة من الحجم الهائل للأدلة في التقاضي القانوني. وفي حين أنّ هذا قد يبدو نظرياً أو تجريدياً للغاية، فأنّ هذا الوصف القانوني للجرائم هو السبيل إلى الاعتراف بالطبيعة الحقيقية للجرائم ومعاناة الضحايا والناجين. فمن الأهمية القصوى وصف جرائم تنظيم داعش بشكل يعكس حقيقتها، لم تكن أفعالاً إرهابية عشوائية وإنما جرائم دولية. وهذا أيضا ما نص عليه تقرير فريق التحقيق (يونيتاد)، الذي أقرَّ قانونياً بالإبادة التي ارتكبها تنظيم داعش بحقّ المجتمع الأيزيدي. إن ذلك حق الضحايا والناجين، فضلاً عن المجتمع العراقي بأكمله، وهم يستحقون ذلك.
السيدات والسادة،
وكما أعربت منذ اليوم الأول لتولي منصبي في فريق التحقيق (يونيتاد)، أؤكّد لكم أنكم لن تُنسَوا، ونحن ثابتين في التزامنا بالقضية التي كافحتُم طويلاً وبشكل شاق من أجلها. إن هذا الأمر في قلبي وعقلي كل يوم، منذ وصولي إلى العراق لأول مرة.
في هذا الوقت من الألم والفقدان، دعونا نقف للحظة لتقدير صمود الأيزيديين، خاصة النساء الشُجاعات، اللاتي سعين بمثابرة لطلب العدالة وكُنَّ شجاعاتٍ في تقديم رواياتهنَ عن أهوال تنظيم داعش. فقد تأثرنا جميعاً بالأرواح الشجاعة التي عانت كثيراً، ورغم ذلك استمرت بدعواها.
وكما أعربت منذ اليوم الأول لتولي منصبي في فريق التحقيق (يونيتاد)، أوكد لكم أنكم نصب أعيينا ولا ننساكم.
نقف اليوم في أوقات عصيبة، حيثُ يتوجب على العالم أجمع أن يتحد لضمان إغلاق الملاذات الآمنة أمام جميع مرتكبي الجرائم البشعة لتنظيم داعش، وضمان تحقيق العدالة والمساءلة لتوضيح أنّ الإفلات من العقاب ليس له مكان في عالمنا. إنها فرصتنا لنظهر للعالم كيف يمكن للعراق أن يكون مَهد التعافي من الانقسامات والتطرّف، من خلال اجراءات المُساءلة ومشاركة الضحايا في الإجراءات التي تتوافق والمعايير الدولية.
إننا لن ندخر أيَ جهدٍ في فريق التحقيق (يونيتاد) لدعم هذا المسعى المشترك ولرؤية تضحيات الضحايا والناجين تُسفِر عن النتائج المرجوّة. ولا يمكننا القيام بذلك إلا من خلال دعمكم ومن خلال الشراكة الوثيقة مع العراق.
السيدات والسادة،
أخيراً، أشكركم على السماح لي بأن أكون بين مجتمعكم اليوم وكل يوم منذ بداية فترة ولايتي في هذه البعثة، فقد كان شرفاً لي ولفريقي أن أكون في خدمتكم، وسنظل كذلك بأي طريقةً مُمكنة.
اسمحوا لي مرةً أخرى، أن أقدّم خالص التعازي للمجتمع الأيزيدي ولعائلاته وكذلك العراق بأكمله، وأتمنى بصدق أن يجلب لكم هذا اليوم قدرا من السلوى.
شكراً لكم جميعاً.