السعي إلى تحقيق العدالة والمساواة باستخدام التكنولوجيا

في مكتبٍ واسع يحوي شتى التجهيزات التكنولوجية، تجلس مجموعة من الشباب والشابات العراقيين\ات من خلفيات عدة أمام شاشات الحواسيب، مستغرقين بالتركيز فيها، باذلين جهوداً مضنية يومياً للتعامل مع آلاف البيانات والوثائق والصور والأفلام التي توضّح بالتفصيل كيف سيطر تنظيم داعش على مناطق شاسعة في العراق. ولهذه المهمّة الشاقّة دور بالغ الاهمية من حيث تحليل الأدلة المتعلّقة بجرائم تنظيم داعش بحق جميع مكونات المجتمع العراقي، وحفظها واستغلالها، بما في ذلك الأدلة المتعلقة بجرائم التنظيم بحق الأقلّيات والفئات الضعيفة. علاوةً على ذلك، فأنها تُسهم في دعم جهود ملاحقة أعضاء تنظيم داعش على جرائمهم البشعة في العراق.

يتألف فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني التابع لفريق التحقيق (يونيتاد) من مجموعة من الباحثين الوطنيين الشباب والشابات، وهم من المجتمعات المتضررة، ويتوقون إلى دعم جهود العدالة والمساءلة، وأيضا اكتساب المعرفة المتقدّمة في استخدام التكنولوجيا الحديثة للبحث عن الأدلة وحفظها. وقدّم خبراء يونيتاد لهذه مجموعة تدريباً متخصصاً في أساسيات الاستكشاف الإلكتروني، مع التركيز على المراجعة بمساعدة التعلم الآلي والبحث، وفحوصات مراقبة الجودة، وغيرها، مما يمكّن الباحثات والباحثين من تصنيف السجلات والوثائق، وتحسين كفاءة استرجاع البيانات وتحليل الأدلة التي يجريها محققو فريق التحقيق (يونيتاد). ويعدّ هذا العمل أساسياً لتوظيف التكنولوجيا والممارسات الفضلى في التعامل مع ملايين السجلات بما في ذلك الوثائق البيروقراطية التي خلّفها تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها في السنوات الممتدة بين 2014-2017، وما جمعه فريق التحقيق (يونيتاد).

وتشكّل النساء حوالي 80% من مجموع فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني، ومن بينهن امرأة شابة تُدعى (س.ق)[1] والتي تحدثت بحماسٍ عن تجربتها بعد أن التحقت بهذا الفريق المميز، إذ قالت: "كنت حريصةً على الانضمام إلى الفريق كون عمله يهمني على الصعيد الشخصي ومختلف الأصعدة" . تشعر (س) والتي كانت من سكان الموصل سابقاً بأنّها وزملاؤها وزميلاتها في المجتمع العراقي بحاجة إلى دعم عمليات العدالة، وقالت: "تطوعت سابقاً في مجال جهود الإغاثة الإنسانية ووجدت شغفي في مساعدة الآخرين. وعندما تمّ الإعلان عن هذا المشروع، كنت أعمل بالفعل في مكتب تصميمات، لكنني تقدمت بطلب التحاق بهذا الفريق على الفور، حيث أردت العمل مع الأمم المتحدة، ومع فريق التحقيق (يونيتاد)على وجه الخصوص." بالنسبة لها، فإنّ العمل الذي تقوم بها كجزءٍ من فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني مكمل لجهود الضحايا وعائلاتهم، أو كما تسميهم: "الأبطال الذين أدلوا برواياتهم كشهودِ عيان، وقامو بتقديم المعلومات، وهي كلها جهود تساعد القضاء والسلطات في ملاحقة أعضاء تنظيم داعش وتقديمهم للعدالة."

وعلى غرار زميلاتها من مختلف المجتمعات والأقليات في العراق، لا تقتصر منافع العمل مع فريق التحقيق (يونيتاد) للباحثة (س) على الدخل المادي فحسب، بل يوفر لها ذلك العمل فرصة للنمو من خلال حصولها على تدريبٍ فريدٍ من نوعه، وتجربة مميزة ذات أثر يمتد على مدى الحياة للنساء العراقيات والأقليات التي تواجه تحديات التمثيل، لكي يكنّ جزءاً من قيادة عمليات الاستكشاف الإلكتروني ودعم التحقيقات، واستخدام التكنولوجيا.

 

"إن الفظائع العنيفة التي ارتكبها تنظيم داعش ضد جميع مكونات المجتمع العراقي موثّقة بشكل جيد، ومن واجب فريق التحقيق (يونيتاد) مراجعة هذه الأدلّة لإثبات الحقيقة الكاملة حول جرائم التنظيم وتوصيفها القانوني بموجب القانون الدولي،" يقول المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق (يونيتاد) السيد كريستيان ريتشر، مضيفا : "إن فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني يمثل جزءاً حيوياً من ولاية فريق التحقيق (يونيتاد)، وذلك من خلال تطوير قدرات المتخصصين الوطنيين للتعامل مع الكم الهائل من الأدلّة والبيانات المتعلقة بجرائم تنظيم داعش. كما تبرز أهميته أيضاً في تحسين كفاءة تحقيقاتنا ودعم السلطات العراقية بأدلة منظّمة وقوية تحظى بمقبولية أمام المحاكم المختصّة لملاحقة أعضاء تنظيم داعش على جرائمهم الدولية في العراق".

واتسم تنظيم داعش بكونه تنظيماً إرهابياً عالمياً تمكن من استغلال التكنولوجيا بشكل متقدم. حيث سخّر التنظيم التكنولوجيا لتعزيز هيمنته ونشر خطاب الكراهية، سواء كان ذلك عبر بث الفيديوهات عالية الوضوح التي تظهر تنفيذ الإعدامات، أو عبر عمليات الأمن السيبراني المعقّدة المستخدمة في تجنيد أعوانه، والتي عكست أن تنظيم داعش فهم جيدًا كيفية استخدام التكنولوجيا. وخلّفت  كل هذه الأنشطة تركة يقوم خبراء فريق التحقيق (يونيتاد) المؤهلين بالتعامل معها. ويقوم فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني بعمل مهم في رقمنة وتصنيف وحفظ الأدلة، وبرغم تعقيد وصعوبة هذه العمليات، الّا أنها تشكل أساساً مهماً لأنشطة فريق التحقيق (يونيتاد) التي تدعم القدرات الوطنية العراقية.

يعزز هذا المشروع بناء تناسق بين مجموع الأدلة بمختلف أشكالها والعمل الذي يجريه المحققين. وهو يضمن تركيز عمليات البحث على قيمة الأدلة وتأثيرها ويقلل من الوقت الذي يحتاجه المحققون للتدقيق في آلاف الصفحات من الأدلة التي تم جمعها. وليس غريباً أن نرى شابات مثل (س( وغيرها في الفريق حريصاتٍ على العمل مع هذا المشروع لأنه يوفر لهن فرصة للتفوق في مجال يهيمن عليه الذكور إلى حدٍ كبير، كما يرون في هذا العمل فرصة لإيصال أصوات الناجيات العراقيات من جرائم تنظيم داعش، وتوثيق تجاربهن وتوظيفها في عمليات العدالة.

ولا تخلو هذه المهمة من التحديات، ولاسيما الطبيعة الصادمة لمحتوى جرائم تنظيم داعش والفظائع التي ارتكبها. إن التعرّض لمثل هذا المحتوى باستمرار له تأثيره على الفريق، لكنه لايثني عزيمة المتخصصين الوطنيين. وكما تصف (س) تجربتها: "واجهت صعوبة في رؤية أو قراءة أي شيء حول ما تعرض له الأطفال والنساء، وبعض تلك التجارب قد مر بها زملائي أنفسهم. لكن في نهاية المطاف، أنا أم، والتفكير في مثل هذه الفظائع المتكررة واحتمالية حدوثها مع أطفالي، أو معي، هو أمر يفوق قدرة التحمل. لهذا السبب أؤمن بعملي، وآمل أن نتمكن من خلال التكنولوجيا من تسريع المساءلة نحو ضمان عدم تكرار هذه الأفعال."

تم إطلاق عمليات فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني التابع ليونيتاد مؤخراً للبناء على جهود الفريق في حفظ الأدلة بما يتماشى مع أعلى المعايير الدولية. وهو يبني أيضاً على الشراكات طويلة الأمد التي تربط فريق التحقيق (يونيتاد) مع منظمات المجتمع المدني العراقية والمجتمعات المتضررة من فظائع تنظيم داعش، بالإضافة إلى جهود الفريق الناجحة في تسخير التكنولوجيا، والتي تحقق نتائج استثنائية في مشروع الرقمنة مع القضاء العراقي. يرفد فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني، المتخصصين العراقيين بمعرفة تقنية فريدة لاستعمال التكنولوجيا من أجل إنجاز تنظيمٍ عالي المستوى للبيانات، مع القدرة على الرجوع إليها على المدى البعيد،  حتى فيما بعد عمل فريق التحقيق (يونيتاد).

من المتوقع أن يقود فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني تغييراً إيجابياً للمتخصصين الوطنيين العاملين به، وأيضا للشركاء في المجتمع المدني والمحققين. كما يشير المستشار الخاص ريتشر : "يوضّح هذا المشروع الدور الداعم الذي يلعبه فريق التحقيق (يونيتاد) في تعزيز المساءلة عن جرائم داعش، من خلال مثل تلك الفرص الفريدة للانخراط مع المجتمعات العراقية المتأثرة. ونأمل أن ت\يتمكن باحثونا وباحثاتنا من مواصلة العمل في خدمة مجتمعاتهم وخدمة العراق ككل، وأيضا أن يستمروا في الاستخدام المستدام للمهارات التي اكتسبوها واكتسبنها لخدمة العدالة في بلدهم."

 


[1] لم يتم الكشف عن الاسم مراعاةَ للخصوصية

 

 

*****************************

لمزيد من المعلومات يرجى الاتصال بالمسؤولة الإعلامية (مها ظاهر)

فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد)

البريد الإلكتروني: UNITAD-PIO@un.org